من قال أن عقد الزواج هو صفقة والمهر هو ثمن لهذه الصفقة .. هذا الأمر بعيد جدا عن الحقيقة أو قل هو الجهل بالحقيقة فعقد
الزواج هو عقد كأي عقد بين طرفين , طرف أول: الزوج آوما يوكله عنه , وطرف ثان: الزوجة أو ما توكله عنها أو العكس.
بنود عقد الزواج تأتي بالتوافق بين طرفي العقد ولكل طرف أن يبدي رغبته فيما يراه صالحا له وضامنا لمستقبله , ومن حقه أن يضع هذه الرغبة في شكل بند أو بنود في هذا العقد وعلي للطرف الآخر الحق في أن يقبل هذا أو يرفضه وللطرف الأول الحق في الإصرار علي موقفه من البنود التي يراها لازمة لإتمام هذا العقد وفقا لما يراه صالحا ومفيدا له وأيضا للطرفين الحق في رفض إتمام هذا العقد برمته إذا لم يكن هناك توافق علي بنود معينة يراها كل طرف صالحا ومفيده له وضامنة لديمومة هذا العقد.
وليكن معلوما أن أي عقد بين طرفين لا ينبغي أن يتضمن بنودا تخالف شرع الله أو تتعارض مع قانون من قوانين الدولة المنظمة لخير المجتمع وحديثي عن بنود العقد لا تتعدي البنود التي تخص الحقوق الشخصية للمتعاقد كحق الإدارة أوالتوقيع والأنصبة الخاصة بالأرباح وذلك في عقود الشركات التجارية من شركات تضامن وشركات توصية بسيطة وتوصية بالأسهم والشركات المساهمة وغيرها.
وطالما وقع العقد من أطرافه سواء طرفين او أكثر صار ملزما لمن وقعوا عليه بحكم القانون ولا يجوز الرجوع في شروط العقد إلا بالطرق التي بينها العقد نفسه في إحدي بنوده.
نعود إلي عقد الزواج وهو موضوع هذا المقال , أقول أن عقد الزواج كغيره من العقود لا يجوز التنصل مما تعهد به الموقع علي هذا العقد سواء الزوج أو الزوجة إن أرادا إستمرار سريان هذا العقد وبالتالي إستمرار الزواج الذي أنعقد بهذه الوثيق , وثيقة عقد الزواج وللتأكيد علي هذا الكلام أسوق واقعة زواج حصلت بين شخصية إسلامية لها سلطة وسلطان وبطش وبأس وقوه ألا وهو خليفة المسلمين العباسي أبو جعفر المنصور وهو ثاني خلفاء بني العباس.
عندما تقدم أبو جعفر المنصو وكان وليا للعهد إبان حكم الخليفة أبو العباس أول خلفاء بني العباس والملقب بأبي العباس السفاح من كثرة ما سفح من دماء بني أمية بعد هزيمتهم من قبل العباسيين في معركة الزاب بقيادة أبي مسلم الخرساني والقضاء علي آخر خلفاء بني أمية مروان بن محمد , وهذه لها قصة أخري , نعود الي أبي جعفر المنصور ولي العهد كما ذكرت , تقدم ليتزوج من فتاة تدعي أروي وكانت إمراة جميلة أحبها حبا عظيما.
أشترطت هذه المرأة الجميلة وكانت تدعي "أروى القيروانية" , إشترطت علي ولي العهد أن لا يتزوج بغيرها وألا يقتني جواري وأن تكون العصمة بيدها أي حق تطليق نفسها منه وقتما شاءت .. وقد قبل ولي العهد بكل هذه الشــروط دون تردد وقد كان وتزوجها ولكن ماذا حدث بعد ذلك؟.
بعد أن تزوجها وبعد أن آلت إليه الخلافة عقب موت أخيه أبي العباس حاول أن يتملص من هذه الشروط بعتبارها شروطا تحرم ما أحل اللـــــه كما أوعز اليه وزيره أبو أيوب سليمان بن أبي سليمان وحرضه علي عدم الإلتزام بهذه الشروط واســـــتدعي أبو جعفر المنصور الإمام أبو حنيفة النعمان وطلب منه الفتوي بعد ان شرح له أنه قــــــد وافق علي شروط فيها تحريم بما أحله الله فأفتي الإمام أبو حنيفة النعمان بعدم استطاعة الخليفة الفكاك من هذه الشروط وعليه الإلتزام بها تماما.
فنبري الوزير يقول للإمام: ولكنها شروط تحرم ما أحله الله - مثني وثلاث ورباع - فكيف توافق علي الالتزام بهذه الشروط فقال له الإمام: هب أن تاجرين في السوق يبيعان صنفا واحدا من القماش وقد اتفق أحدهما علي الامتناع عن بيع هذا الصنف من القماش إرضاء للآخر أيكون ذلك حراما؟ فرد الوزير قائلا لا .. لا يكون حراما فرد الإمـام: قلت ليس حراما مع أن الله قد حلل البيع.
حاول الخليفة التنصل من الشروط التي وافـــــق عليها بشتي الطرق فكان موقف الإمام صريحا بإنه لا يجوز له ذلك, وراح يدافع عن حق الزوجة ثم قضى لها في النهاية. وعندما أرسلت له هدية ثمينة (عشرة آلاف دينــــــار ) جزاء عمله، ردها مع الرسول وقال له: "قل لسيدتك أنني ناضلت عن ديني، وقمت ذلك المقام لله ما أردت بذلك تقرباً من أحد", وألح الرسول وكان عبدا تمتلكه الزوجة أن يقبل الأمام الهدية كي تعتقه الزوجة كما وعدته إن قبل ألإمام العطية فهو حر , ورغم ذلك لم يقبل الإمام الجليل أبو حنيفة النعمان وأصر علي الرفض وقال قولته "قمت ذلك المقام لله".
دع التاريخ القديم ولنأتي إلي ما هو أحدث , كلنا نعرف الوطني الكبير سعد باشا زغلول زعيم حزب الوفد والمناضل العظيم ضد المستعمر الإنجليزي في الثلاث عقود الأولي من القرن العشرين.
هذا الرجل الهمام عندما تزوج من السيدة صفية زغلول والملقبة بأم المصريينه لم يجد غضاضة في أن يوافق علي طلب الزوجة بإحتفاظها بحق تطليق نفسها وكانت هذه رغبتها وأفرغتها في وثيقة زواجها من رجل مصر الأول في هذا العهد.
مما تقدم أقول أن عقد الزواج ليس عقد عبودية وليست رخصة التطليق من حق الزوج وحده وليس المهر ثمنا وإنما هو حق للزوجة وشرط أساسي من شروط العقد ومتمما له , وليس عطاء أو هبة أو حتي هدية لإنسانة أحبها القلب فكل ذلك يندرج تحت إسم "شبكة العريس" وقت طلبها للزواج , إذن هناك فرق بين المهر والشبكة ولكن كثير من الناس لا يعلمون ذلك أو قل يعلمون ولكن يستعلون عن الإعتراف بذلك من منطلق تفخيم ذواتهم من داخلهم
وأخيرا دعوني أقول أن إحجام المرأة أو ولي أمرها كائنا من كان عن المطالبة بحق المرأة في إملاء ما تراها لصالحها في وثيقة الزواج هو أمر مرجعه عادات بالية وتقاليد مورثة ظالمة تضع المرأة تحت سلطان الرجل وجبروته وفي الإطار الذي يرسمه لها الرجل يبقيها وقتما شاء ويطلقها ويلقيها إلي الشارع وقتما شاء, وبذلك تتفكك الأسرة ويتشرد الأطفال الذين لا ذنب لهم ولا جريرة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق