أكتسب المصريون بعد 25 يناير ألقاب عديدة فتجد من لقّب بالثائر والمتظاهر والخبير السياسي والقيادي والخبير في شئون كذا والمحلل الإستراتيجي أما أهم
لقب حصل عليه أكثرية الناس هو لقب "المعترض" , وصاحب هذا اللقب تجده يعترض علي أي شيء في أي شيء , أي يعترض ليظل يعترض !! , وإن لم يجد شيئا يعترض عليه إصطنع هو شيئا إفتراضيا ليعترض عليه , كما يقول المثل الشعبي "مالقوش في الورد عيب قالوله يا أحمر الخدين".
وأصحاب هذه الصفة في مصر كثيرون , فهم يعترضون علي كل شيء والإعتراض في التراث الشعبي قديم , وقصة جحا وحماره وإبنه تعكس هذا الإتجاه لدي كثير من الناس , فجحا ذات مرة ذهب إلي السوق وركب هو وإبه علي حماره , فاعترض عليه الناس وقالوا: ليس في قلب جحا رحمة بالحمار الحيوان المسكين , فنزل جحا عن حماره وأبقي أبنه فاغترض الناس أيضا وقالوا: كيف يركب الصغير الحمار ويسير الأب الكبير علي أقدامه وقالوا: أنها سفاقة وقلة تربية , فأنزل جحا أبنه وركب هو , فاعترض الناس أيضا قائلين: كيف يركب الأب ويترك أبنه الضغيف يسير خلفه , إن جحا ليس في قلبه رحمة ولا شفقه علي إبنه , هنا نزل جحا من علي الحمار وسار هو وإبنه والحمار منفردين فاعترض الناس وقال: ما لهذا الغبي أن يترك الحمار ويسير هو وولده خلف الحمار علي أقدامهما.
بعد 25 يناير بدأ عصر جديد , مبارك معترضون عليه بالصرف النظر عن الأسباب فتنحي ثم هتفوا للمجلس العسكري بقولهم "الشعب والجيش أيد واحدة" ثم أعترضوا علي المجلس العسكري وهتفوا ضده بقولهم "يسقط حكم العسكر" , ثم نصف من صوتوا في الإنتخابات الرئاسية 2012 صوتوا لمحمد مرسي وقالوا: غصرنا الليمون وأنتخبنا مرسي ليس حبا فيه بل كراهية في العسكر والذي يمثله المرشح المنافس أحمد شفيق وكان هذا تصور خاطيء من قبلهم , تولي مرسي حكم البلاد وهرول ما يسمون أنفسهم بالنشطاء السياسيين وكذلك الإعلام العام والكثير من الخاص , ثم أعترضوا علي مرسي بصرف النظر عن الأسباب , وطالبوا بإلحاح عودة الجيش ليخلصهم من مرسي ورجعوا يهتفون "الجيش والشعب أيد واحدة" , وأستجاب الجيش وقائده عبد الفتاح السيسي لطلب الجماهير.
وعندما تجمع الأخوان في إعتصام رابعة والنهضة أعترض الناس علي ترك هؤلاء زمنا طويلا زاد فيه عددهم وعدادهم وعدتهم , وعندما قامت قوات من الشرطة والجيش بفض إعتصامي رابعة والنهضة أعترض الناس وقالوا: أن هذا الإجراء ما كان ينبغي أن يحدث وأتهموا الحكومة في ذلك الوقت بالتجاوز وأعترض كثير من الناس علي رأسهم شيخ الأزهر الحالي أحمد الطيب الذي ذهب إلي بيته معتكفا معترضا , أما وكيل الأزهر حسن شومان فأعلنها صريحة أن قوات الإنقلاب قد قتلت الناس وهم ركعا سجدا كما أعلن في خطبة له من علي أحد المنابر أن مرسي اعظم زعيم إسلامي وعربي وأن من حقه أن يصدر ما يشاء من قوانين وإقصاء من يريد.
بعد فض إعتصامي رابعة والنهضة فتحت شهية الناس للتظاهر سواء من جانب من يؤيد السيسي او المناويء له فطالب الناس بقانون لتنظيم التظاهر للحد من هذه الظاهرة الجديدة علي البلاد , وعندما صدر قانون تنظيم التظاهر أعترضوا عليه وأسموه قانون التظاهر وحذفوا كلمة تنظيم فأصبح قانون التظاهر فقط ووصفوه بأنه سيء السمعة وأتهموه بأنه السبب في وضع العديد من الشباب في السجون , وعندما حكم علي المتظاهرات المسمات "بفتيات سبعة الصبح" بأكثر من عشرات سنوات سجن أعترض الناس وعندما أعيدت محاكماتهم وأفرج عنهم أعترض الناس أيضا , وعندما وقفت قوات الأمن خارج حرم جامعة القاهرة وعين شمس أثناء الإضطرابات والمشاغبات وأعمال العنف التي حدثت داخل الحرم الجامعي أعترض الناس وقالوا: لماذا وقف الأمن خارج الحرم الجامعي وسمح للإرهابيين من الطلبة الأعتداء علي الأساتذه وحرق وتدمير منشآت الجامعة بما فيها المدن الجامعية , وعندما دخل قوات الأمن إلي حرم الجامعة في بعض المرات وبناء علي طلب رئيس الجامعة أعترض الناس كذلك.
أما قانون الإنتخابات فقد كثرت فيه الإعتراضات وكل أدلي بدلوه علي خليفة مصلحته حزبا أو فردا كان , إعترضوا علي تقسيم الدوائر بداية ثم طالب البعض بإنتخابات برلمانية بالنظام الفردي بشكل كامل فأعترض الآخرون وأرادوها بالقائمة لإتاحة الفرصة لأحزاب السراب لدخول البرلمان , وعندما أقر القانون الأخذ بالنظامين الفردي والقائمة أعترضت أحزاب بير السلم مرة أخري وقالت: عدد مقاعد القائمة 120 فقط ثم أعترضت علي أنها قائمة مطلقة , الكل يعترض ولا يروق لأحد شيئا ورغم الإعتراض فهم أول من يهرولون لتقديم أوراق ترشيحهم للبرلمان في الزمن والمكان المحددين لذلك.
الأمثلة كثيرة علي آفة الإعتراض التي أصابت الناس في مصر , وهذه الآفة هي التي جعلت من كافة الحكومات التي تعاقبت علي إدارة البلاد منذ 25 يناير 2011 , حكومات مرتعشة بطيئة متخبطة قل ما شئت , وهذا بالطبع ينعكس علي مصالح الناس بما فيهم عشاق الإعتراض ومغرميه , والغريب أنهم وغيرهم بعد ذلك يتساءلون وأيضا يعترضون: لماذا مصالح الناس معطلة والفساد مستشري في مؤسسات الدولة وخاصة في المحليات التي ينخر فيها الفساد كما ينخر السوس في مغلق الخشب.
أليس المشهد السياسي في مصر الأن شبيه بمشهد جحا وإبنه وحماره؟
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق