نعم البنوك في مصر تطورت في السنوات الأخيرة من حيث الشكل والديكور والصالات المكيفة ولكن كل ذلك ما زال يدار بفكر عتيق متخلف وأول دليل علي ما أقول هذه الدكك أو الكراسي التي تجدها في صالات التعامل أمام الشبابيك.
هذه الكراسي صورة قديمة كانت أيام النحاسة الرقمية التي كانت تعطي للعميل بعدها يجلس وينتظر حتي ينادي عليه وبالمناسبة بعض البنوك الآن قد استبدلت هذه النحاسة برقم ورقي يعطي للعميل عند دخوله البنك ثم يجلس وينتظر ظهور رقمه علي لوحة رقمية في منتصف الصالة وعلي الجزء العلوي من الشباك لبيان رقم هذا الشباك.
وهذا أيضا أسلوب متخلف ولا يأتي بجديد كل ما هناك إستبدال رقم علي قطعة نحاس برقم علي قطعة ورق وكلاهما يعني أنك سوف تنتظر خصوصا في أقسام خدمة العملاء وكونك تجلس وتنتظر هذا معناه أن هناك بطء أكيد في إجراءات إنهاء معاملة العميل وفي هذا ما يمثل إحتجاز قصري بالساعات لعملاء البنك الذين لا حول لهم ولا قوة , وفي هذه النقطة تحديدا فقد شاهدت في العديد من البنوك المصرية علي خلفية دراسة قمت بها لتقييم سرعة إنجاز معاملة العملاء في البنوك المصرية أن عدد الشبابيك في كل بنك أو فرع بنك تقريبا عددا وافيا يتراوح بين 3 إلي 5 نوافذ ولكن هذه النوافذ لا يشغلها إلا موظف واحد أو أثنين علي الأكثر أما باقي النوافذ فهي خالية أو مغلقة تماما لماذا ؟ هل هو نقص في عدد العاملين أو أن العاملين يتغيبون أو يزوغون أثناء مواعيد العمل الرسمية.
ما سبب ذلك؟ هل هي تخفيض تكلفة أداء الخدمة للعملاء والإقتصار علي عدد محدود من العاملين خلف النوافذ؟ أما أن البنوك لا تجد من العمالة ما يسد هذا الفراغ بسبب ندرة العاملين بعد أن قضينا علي البطالة ولم يعد هناك عاطل في مصر؟.
إن السبب في تقديري هو سوء التخطيط و ضعف الرقابة والمتابعة من جانب الإداريين والقياديين في هذه البنوك والإكتفاء بجلوسهم في مكاتبهم المكيفة يقرأون الصحف ويشربون القهوة والشاي ويدردشون عبر الهاتف المحمول.
إن المسئولية في بطء الإجراءات وإنهاء المعاملات البنكية بشكل سريع وممتاز يرجع إلي عدة أسباب ألخص منها ما يأتي:
1- كثرة الأعمال الكتابية الورقية Paper works فإذا ذهبت إلي البنك لفتح حسابا عليك التوقيع علي مجموعة من الأوراق لا حصر لها ولا عد.
2- فترة العمل في البنوك المصرية قصيرة جدا إذا قورنت بفترة عمل البنوك في أمريكا وأوربا ففي مصر تفتح البنوك أبوابها من التاسعة صباحا أو الثامنة والنصف حتي الثانية ظهرا وهذه فترة قصيرة , البنوك في نيويورك وقد عشت فيها سنينا عددا تفتح أبوابها من الثامنة صباحا وتغلق في الخامسة. وقد فعل ذلك البنك الأهلي المصري فترة قصيرة ولكن هوجة 25 يناير أوقفت العمل بهذا النظام وبكل آسف.
3- البنوك المصرية تغلق أبوابها يوم الجمعة والسبت من كل أسبوع , وهذا علي خلاف ما يجري في البنوك الأمركية أو الأوربية فهي تفتح أبوابها يوم السبت من العاشرة صباحا إلي الواحدة ظهرا وتغلق يوم الأحد بالكامل.
4- لا تستطيع في مصر فتح حساب جاري أو أي حساب من خلال النت بينما تستطيع فعل ذلك لدي أي بنك في أمريكا وأوربا وبعد ذلك تقوم بإيداع النقدية التي تريد إيداعها بعد ذلك عن طريق فروع البنك المعين او ماكينات الصرف الآلي التابعة له ATM Machine
5- عدم كفاية ماكينات الصرف الآلي لدي البنوك المصرية ومن أجل ذلك تجد الطوابير دائما أمام ماكينة واحدة وإذا كان هناك ماكيناتين فستجد واحدة تعمل والأخري عاطلة , وهذا الأمر يسبب بطء وإرباك في إنهاء المعاملات البنكية سواء من داخل الصالات او من خلال البنك الآلي أي ماكينات الصرف الآلي التي من المفروض أنك تستطيع السحب والإيداع وإستخراج كشوف الحسابات المختلفة وفي أزمنة مختلفة وكل ذلك من خلال مستند رسمي تخرجه لك ماكينة الصرف الآلي.
هذه بعض الأسباب التي تجعل المشوار إلي البنك رحلة عذاب وليست كلها لعدم الإطالة.
إن مسئولية تعطيل العملاء وإرهاقهم في البنوك المصرية هي مسئولية المديرين المنوط بهم وضع الخطة المناسبة لتسهيل الإجراءات ثم متابعة هذه الخطة ومعالجة اي إنحراف بها أولا بأول , لكن السادة المديرين يقبعون في غرفهم المكيفة ولا يهتمون بما يجري في الصالات معتمدين علي رؤساء الأقسام الذين هم أيضا في حاجة الي متابعة وفقا للخطة الموضوعة - إن كان هناك خطة لأن رؤساء الأقسام لا يعترفون بأي قصور يعتري أقسامهم ودائما أقسامهم في احسن حال من وجهة نظرهم وليس من وجهة نظر واقعية أو رقمية علي خلفية المحددات بالخطة الموضوعة.
أما عن معاملة الجمهور داخل البنوك المصرية فحدث ولا حرج حتي البنوك الإستثمارية لا تخلوا أيضا من جفاء وغلظة وصلف من قبل العاملين بها وبالأخص من يتعاملون مباشرة مع الجمهور من خلال الشبابيك وأؤكد هنا أن المشكلة ليست في نوعية البنوك , قطاع عام أو بنوك استثمارية وإنما المشكلة تكمن في الفكر البالي المتعفن الذي يدير النشاط وغياب الفكر المتجدد والمتطور الذي أخذت به كل الأنشطة الأقتصادية في العالم.
إن المفهوم الإقتصادي السائد في الأنشطة المصرية بشكل عام هو المفهوم القديم ويطلق عليه المفهوم البيعي أو الإنتاجي ويعني أن كل ما يقدمه المشروع من سلع وخدمات مباع دون ما إعتراض من قبل جماعة المستهلكين وهو المفهوم الذي كان سائدا قبل عام 1929 وهي السنة التي حدث فيها الكساد العالمي , أما بعد هذا التاريخ فقدت تبنت الإقتصاديات العالمية مفهوم جديد يسمي المفهوم التسويقي الحديث ومؤداه إنتاج أو تقديم الخدمة وفق رغبات ومتطلبات العملاء وما تلي ذلك من مضامين جعلت المستهلك ملكا وأعطته أحقية الصواب دائما بعبارة مشهورة - "هي العميل علي حق دائما".
موضوع البنوك المصرية موضوع يكثر فيه الكلام لأنه يمثل قطاع عريض من النشاط الإنساني في مصر ويهم بالدرجة الأولي الجمهور المصري الذي يعاني كثيرا من السلبيات داخل البنوك المصرية علي إختلاف أنواعها.
وأني للأتطلع دائما إلي اليوم الذي أذهب فيه إلي أي بنك مصري دون أن يرتفع ضغط دمي أو أن أصاب بإنخفاض رهيب في الدورة الدموية تودي بحياتي , فهل يأتي هذا اليوم , دعنا ننتظر وإن غدا لناظره لقريب.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق